ما زال رصد سوقنا العقاري يقوم على انطباعات أكثر منه وفق بحوث سوق وجمع منهجي للمعلومات. قبل يومين، استضافتني إحدى قنواتنا التلفزيونية المحلية تلفونياً، وكان المقدم يسأل عن «انهيار العقار»! «انهيار» مرة واحدة، يا كافي الشر؟!

ولعل من المؤشرات التي تستخدم استخداماً سيئاً هو المؤشر العقاري المتولد من احصائيات كتابات العدل، ليس في كل أنحاء المملكة، بل تجدها تصدر بانتظام عن الرياض وجدة تحديداً, في حين أن لابد من صدورها عن كل المناطق الإدارية في المملكة دونما استثناء، ثم معالجتها بعد ذلك معالجة إحصائية، واحتساب عدد من المؤشرات المحددة.

ومهما يك من أمر فليس ملائماً استخدام قيمة لمؤشر لمنطقة أو منطقتين كمعيار للحكم على توجهات نشاط القطاع العقاري في طول المملكة وعرضها.

ولعل من الملائم أن تسعى مؤسسة النقد العربي السعودي أن تستفيد من بيانات مؤشر حركة انتقال ملكية العقار، لرسم صورة أكثر اكتمالاً عن نشاط القطاع العقاري، باعتباره أحد روافد قطاع الخدمات المالية، وذلك من خلال: التمعن في نشاط الرهن والتمويل العقاري من جهة، ونشاط صندوق التنمية العقارية من جهة ثانية، وربط ذلك بتراخيص البناء من جهة رابعة.

ويمكن التوسع بصورة أكثر ليشمل التقرير –الذي يقترح أن يصدر شهرياً- حتى ترميم البيوت ومشتريات الأثاث والبضائع المعمرة التي تسخدم في المنازل من باب التعرف على الصورة الواقعية لقطاع العقار، وهو قطاع ضخم لدينا.

أما تحاليل «طقها والحقها» فقد تلحق بنا أضرارا فادحة، باعتبار أن قد تكون مختلقة لتحقيق مصالح لجهات محددة، أو انطباعية، أو قائمة على تعميم غير مبرر، أو افتراضات تؤدي إلى إيهام البائع والمشتري. وهذا أمر لا يخلو من مآلات تؤدي لتضرر أطراف لتحقق أطراف أخرى مصالح استناداً لمعلومات بُنيت على وهم قد يؤدي إلى غبن.

وليس واضحاً لماذا لا يصدر تقرير شهري عن النشاط العقاري من جهة محايدة. في السابق كان هناك من نادى ببورصة عقارية.

لست ممن ينادي بذلك، لكن ثمة ضرورة حقيقية وفراغا هائلا في البيانات ذات الصلة بالقطاع العقاري، في أنشطته كافة من متاجرة في الأراضي الكبيرة (المخططات) والتجزئة، وتراخيص البناء، والتطوير العقاري، والتمويل العقاري، وشهادات الاكتمال (اكتمال المسكن أو العقار للاستخدام)، وحالة العقار (مكتملا أو غير مكتمل، مشغولا أو شاغرا، ومؤجرا أو مسكونا من قبل المالك، وقيمة الايجار).

نعم، لسنا معتادين على هذه الدرجة من الشفافية، لكن إخفاء المعلومات أو طمسها يؤدي إلى «ارتجاج» صورة الواقع بما يجعلها مبهمة؛ تنظر إليها طويلاً ولا تفهم معالمها، فيفسرها كل ذي مصلحة حسب مصلحته، فتضع السوق في حالة «حيص بيص»، بحيث يقول أحدهم شيئاً (إن السوق في حالة ازدهار) ليخرج شخصٌ آخر ويقول نقيضه (إن السوق في حالة انهيار)! وبوسع كل أن يقول ما يحلو له، ما دام ليس مطالباً بإسناد قوله بدليل.

والاستمرار على هذا الحال ليس مقبولاً ولا مبرراً، فالقطاع العقاري يعول عليه في احداث نهضة اقتصادية، وفي تحقيق وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وليس أدل على ذلك ما يشهده من اهتمام الحكومة الموقرة لرفع نسبة ملكية المساكن، ومن توفير المعروض من مساكن اقتصادية بما يجعلها في متناول الشباب.

توفير المعلومات باحترافية واكتمال وبوتيرة شهرية مستقرة ليس مطلوباً لإشباع الفضول، بل لجعل السوق العقارية أكثر كفاءة؛ شأنها في ذلك شأن أي سوق، فالضبابية في بيانات السوق تؤدي للغبن وللغش وللإيهام، في حين أن الشفافية تجعل الحقائق متاحة لجميع المهتمين، بما يساعدهم لاتخاذ قراراتهم على بينة، وذلك يشمل البائعين والمشترين والرسميين المسئولين عن مراقبة السوق وضبطه، والباحثين والمحللين.

والأمر يستحق أن تطلق بشأنه مبادرة من جهات حكومية عدة منها وزارة العدل ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة الإسكان بغية إيجاد منهجية وآلية لرصد بيانات النشاط العقاري بجميع فروعه، وإتاحة تقارير إحصائية ونشر مؤشرات بوتيرة شهرية.

عندها، وعندها فقط، سنعرف ما توجه القطاع العقاري لدينا. وهنا لا بد من الاستدراك، بأن السوق العقارية السعودية هي -في حقيقة الأمر- أسواق وليست سوقاً واحدة؛ فلكل مدينة وبلدة سوق، تتفاوت هيكليتها وأسعارها والمؤثرين فيها، فقد تجد بعضها يعاني من احتكار مطبق، أو احتكار قلة بين بضعة متنافسين، وفي مناطق تجد المنافسة على أشدها.

مما يعني أن إصدار مؤشرات كلية على مستوى المملكة لها فائدة تأشيرية فقط، أما المعول عليه للتعرف على توجهات السوق فهو الإحصاءات والمؤشرات ذات الصلة ببلدة أو مدينة بعينها.

نقلا عن اليوم